اجمل مدينة عربية (قسنطينة مدينة الجسور المعلقة)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
اجمل مدينة عربية (قسنطينة مدينة الجسور المعلقة)
مدن جزائرية
قسنطينة.. مدينة جزائرية يحبس جمال جسورها المعلقة الأنفاس
تنام بوداعة على صخرتين عتيقتين يربط بينهما 7 جسور.
تعتبر مدينة قسنطينة الجزائرية مدينة فريدة من نوعها بأتم معنى الكلمة.
فإذا أردت اكتشافا سياحيا فريدا واستثنائيا فلن تجد أفضل من قسنطينة، التي
لا تضاهيها في فرادتها واستثنائية موقعها ومنظرها البديع أي مدينة في
العالم. فالمدينة التي تعرف باسم عاصمة الشرق الجزائري وقد بنيت على صخرتين
صلبتين مرتفعتين، وجزآ المدينة مربوطان بأكثر من 8 جسور معلقة مما يعطي
للمدينة منظرا مدهشا يحبس أنفاس كل زائر جديد، ولهذا تشتهر المدينة باسم
مدينة الصخر العتيق ومدينة الجسور المعلقة. وإلى جانب موقعها الجغرافي
المتميز وجمالها الهندسي البديع، تشتهر قسنطينة بعاصمة العلم والثقافة
ومركز النهضة الثقافية الجزائرية المعاصرة خاصة على يد ابن المدينة العلامة
الجزائري الراحل عبد الحميد بن باديس، الذي أسس جمعية العلماء المسلمين
الجزائريين، والتي لعبت دورا هاما عبر مدارسها ومعاهدها في تعليم العربية
والمحافظة عليها أثناء الاستعمار الفرنسي الذي حاول طمسها. كما أن قسنطينة
معروفة بمدينة الفن، حيث يشتهر لونها الغنائي الأندلسي الأصيل المعروف
بـ«المالوف». ويعرف عن قسنطينة صناعاتها التقليدية الجميلة مثل صناعة
التطريز التقليدي وصناعة الأواني والتحف النحاسية، التي لها حي خاص يدعى حي
النحاسين.
وقسنطينة مدينة عريقة ضاربة بجذورها في التاريخ وقد كانت موطنا لتجمعات
قبلية أمازيغية، غير أن تأسيسها ينسب إلى التجار الفينيقيين، الذين أطلقوا
عليها اسم «قرتا» الذي يعني بالفينيقية (القرية أو المدينة)، فيما كان
القرطاجيون يسمونها «ساريم باتيم».
وبمرور الوقت تم تحريف نطق اسم المدينة ليصبح «سرتا» وقد ذاع صيت
المدينة واشتهرت في شمال أفريقيا وحتى في روما (إيطاليا) عاصمة الرومان بعد
أن اتخذها القائد الأمازيغي ماسينيسا عاصمة لمملكة نوميديا. وبعد أن عرفت
المدينة والمملكة بعض القلاقل والانقسامات، عادت لها قوتها ومع حفيد
ماسينيسا القائد يوغرطة الذي استطاع أن يتفادى انقسام المملكة إلى ممالك
صغيرة، وجعل منها لاعبا مهما في المنطقة، التي كانت تعرف صراعات داخلية بين
الممالك الأمازيغية الصغيرة وتربصا رومانيا، غير أن تفوق الرومان العسكري
رجح الكفة في الأخير لصالحهم لتخضع «سرتا» إلى حكم الرومان. لكن رضوخ أهل
المدينة الأمازيغ (مفرد مازيغ ومعناه بالعربية الرجل الحر) لم يدم طويلا،
حيث انتفضت المدينة وتمردت على السلطة المركزية عام 311م، أثناء الحكم
البيزنطي، فاجتاحها الرومان من جديد وقاموا بتخريبها بأمر من الإمبراطور
ماكسينونس.
وفي 313م أعاد الإمبراطور الروماني قسطنطين بناءها. واتخذت اسمه وصارت
تسمى قسطنطينة إلى أن خفف تدريجيا إلى قسنطينة. ولا يزال تمثال الإمبراطور
الروماني قسطنطين مرفوعا في وسط مدينة قسنطينة بالضبط قرب محطة السكك
الحديدية بباب القنطرة.
ومع الفتح الإسلامي وإن عرفت المدينة نوعا من الاستقلال وكان أهلها
يتولون شؤونهم بنفسهم حتى القرن التاسع الميلادي فإن المدينة فقدت نوعا ما
تأثيرها وأهميتها، حيث سطع نجم المدينة الصغيرة ميلة المجاورة مثلا على
حسابها. وكان قائد جيوش الفتح الإسلامي في المنطقة أبو المهاجر دينار قد
اتخذ من ميلة مركزا لجيشه.
في القرن العاشر الميلادي عرفت المنطقة قدوم قبائل بني هلال العربية، لتطغى اللغة العربية على أهالي المنطقة بمرور الوقت.
وظلت قسنطينة محط نزاع بين الدويلات التي عرفت منطقة المغرب العربي مثل الدولة الزيرية والدولة الحمادية.
ومنذ القرن الثالث عشر انتقلت المدينة إلى حكم الدولة الحفصية، التي كان
مركزها في تونس، وبقيت في أيديهم حتى دخولها في حكم الأتراك العثمانيين.
وبعد سقوط الأندلس عام 1492م لجأ الكثير من الأندلسيين إلى قسنطينة
واستقروا بها وساهموا كثيرا في حياتها الثقافية والاجتماعية، حيث جلبوا
معهم خبراتهم ومهاراتهم الفنية من بينها فن الغناء الأندلسي المعروف باسم
«المالوف» الذي ازدهر في المدينة وانتشر كذلك في شرق الجزائر، وامتد حتى
ليشمل تونس وليبيا.
وشمل استقرار الأندلسيين في المنطقة، ليس المسلمين فقط بل واليهود كذلك
الهاربين من بطش محاكم التفتيش الكاثوليكية الإسبانية. ومثلما كان الشأن مع
مسلمي الأندلس، تعامل أهل قسنطينة بتسامح كبير مع الجالية اليهودية التي
يعتقد أن لها جذورا قديمة في المدينة تعود إلى ما قبل التاريخ.
وقد ازدهرت قسنطينة وذاع صيتها كمركز عسكري حصين ومنطقة تجارية نشطة مما
دفع الأتراك العثمانيين إلى محاولة ضمها لحكمهم إلا أنهم جوبهوا أكثر من
مرة بمقاومة كبيرة من الحفصيين حتى عام 1568م، حيث قاد الحاكم العثماني في
الجزائر (العاصمة حاليا) الداي محمد صالح رايس حملة عسكرية على المدينة،
واستطاع أن يستولي عليها من غير قتال بعد فرار الحاكم الحفصي للمدينة عبد
المؤمن وأتباعه.
وتم اختيار قسنطينة لتكون عاصمة بايلك (ولاية) الشرق الجزائري.
وقد عرفت المدينة ازدهارا كبيرا في عهد الحاكم العثماني للمدينة صالح
باي (1771 – 1792م)، الذي قام ببناء الكثير من المباني التي ما زالت حاضرة
حتى الآن والتي لعبت دورا في تاريخ المدينة ومن بينها جامع ومدرسة
الكتانية.
ولصالح باي حضور كبير في الذاكرة الجماعية والثقافية للمدينة وما زالت
أغنية «قالوا العرب قالوا» الشهيرة، التي يقول مطلعها «قالوا العرب قالوا
سيدي صالح باي.. باي البايات»، والتي تتغنى به وترثيه تردد حتى الآن.
وبعد سقوط الجزائر العاصمة عام 1830 امتدت أطماع الفرنسيين شرقا إلى
مدينة قسنطينة. وحاول الفرنسيون مرارا احتلال المدينة إلا أنهم قوبلوا
بمقاومة شرسة من أهالي المدينة بقيادة الحاكم العثماني أحمد باي. وقد
استطاع أحمد باي صد حملتين متتاليتين للفرنسيين. لكن الجيش الفرنسي استطاع
عام 1837 السيطرة على المدينة بعد معركة شرسة تواصلت بين شوارع وأزقة
المدينة الضيقة. وقد اضطر الباي أحمد إلى الفرار إلى الصحراء الجزائرية مع
من تبقى من رجاله.
ويتردد أن نساء قسنطينة ومنطقة الشرق الجزائري عموما لبسن اللباس
الأسود، الذي يعرف بالملاية (من الملاءة بالعربية الفصحى) حزنا على سقوط
قسنطينة. ومنذ ذلك الحين انتشرت «الملاية» كلباس.
وبعد بسط سيطرتهم على كل التراب الجزائري اتخذ المستعمرون الفرنسيون
قسنطينة عاصمة للشرق الجزائري. وظلت قسنطينة محافظة على مكانتها الهامة،
سواء الاقتصادية أو العلمية والثقافية والفنية، بعد استقلال الجزائر عام
1962. وقد ازدادت الحياة الثقافية والعلمية والفنية ازدهارا بقسنطينة، بعد
استقلال الجزائر، حيث واصلت تبوؤ مركز مهم كأحد مراكز الإشعاع الثقافي
والعلمي، حيث تدعمت بجامعة جديدة في الضواحي التي تعرف باسم جامعة منتوري
وهي تحفة معمارية بأتم معنى الكلمة، وقد صممها المعماري البرازيلي أوسكار
نيميير.
كما أن قسنطينة ظلت مركزا ثقافيا وفنيا مهما بحكم تمركز دور النشر والمطابع ومراكز الإذاعة والتلفزيون فيها.
وقد أنجبت قسنطينة وانطلق منها عدد من أشهر كتاب الجزائر من بينهم
الراحلان كاتب ياسين ومالك حداد والأديب الطاهر وطار. كما تعتبر قسنطينة
مصدر إلهام الروائية أحلام مستغانمي، التي دارت أجزاء كثيرة من أحداث
رواياتها وخاصة روايتها الأولى «ذاكرة الجسد» بقسنطينة، وتعود أصول عائلة
مستغانمي إلى قسنطينة.
وتعتبر قسنطينة كذلك مركزا فنيا هاما، حيث تشتهر بلونها الغنائي الأندلسي
المتميز والمعروف باسم «المالوف». وينتشر هذا اللون، الذي قدم إلى المدينة
مع المسلمين واليهود الذين هاجروا من الأندلس وخاصة من منطقة أشبيلية
واستقروا في المدينة، كذلك في منطقة الشرق الجزائري وحتى في تونس وليبيا.
وتشتهر قسنطينة كذلك بصناعاتها التقليدية اليدوية مثل فن التطريز
التقليدي، حيث تحظى «القندورة (اللباس النسائي)» التقليدية القسنطينية
بشهرة وطنية. كما تشتهر المدينة بالتحف الفنية المصنوعة من النحاس، وهناك
سوق خاصة بهذه الصناعة التقليدية وحي كان يعرف باسم «حي النحاسين».
ماذا تزور؟
تتوفر قسنطينة على معالم سياحية جميلة في مقدمتها جسورها أو القناطر
السبع (مفرد قنطرة) البديعة، التي يحبس جمالها حقا الأنفاس. وتربط الجسور
بين جزأي المدينة اللذين يفصل بينهما وادي الرمال العميق. والجسور السبعة
هي:
* جسر باب القنطرة: وهو أقدم الجسور بناه الأتراك عام 1792 وهدمه الفرنسيون ليبنوا على أنقاضه الجسر القائم حاليا وذلك سنة 1863.
* جسر سيدي راشد: يعتبر أعلى جسر حجري في العالم، ويحمله 27 قوسا، يبلغ
قطر أكبرها 70م، ويقدر علوه بـ105م، وطوله 447م وعرضه 12م. وقد بدأت حركة
المرور به سنة 1912. ويقال إن اسم الجسر أطلق على ولي صالح يدعى سيدي راشد
يوجد مقامه تحت الجسر.
* جسر سيدي مسيد: بناه الفرنسيون عام 1912 ويسمى أيضا بالجسر المعلق،
يقدر ارتفاعه بـ175م وطوله 168، وهو أعلى جسور المدينة، ويعرف الجسر محليا
باسم قنطرة سبيطار (المستشفى) لأنه يقع جنب مستشفى المدينة الجامعي.
* جسر ملاح: يعرف محليا باسم «قنطرة الحديد» لأنه عبارة عن ممر حديدي
مخصص للراجلين فقط ويبلغ طوله 15م وعرضه متران ونصف. وقد يتفاجأ من يستعمل
الجسر لأول مرة بالجسر ويصيبه الذعر لأن الجسر يتحرك بفعل وقع أقدام
المارة، ولكن ذلك لا يشكل خطرا أو خوفا لأن الجسر محكم التعليق بأسلاك
حديدية صلبة.
* جسر مجاز الغنم: وهو جسر صغير أحادي الاتجاه.
* جسر الشيطان: جسر صغير يربط بين ضفتي وادي الرمال ويقع في أسفل أخدود الوادي.
* جسر الشلالات: يوجد في أسفل المدينة وتعلو الجسر أحيانا مياه وادي الرمال التي تمر تحته مكونة شلالات، وقد بني عام 1928.
وإلى جانب الجسور تتوفر قسنطينة على معالم سياحية أخرى خاصة في المدينة
القديمة ذات المعمار العربي الإسلامي، حيث تنتشر الأزقة الضيقة والرحبات
والأسواق الشعبية، حيث كانت قسنطينة تتوفر على أسواق خاصة لكل صناعة مثل
«سوق الخرازين»، و«سوق العطارين»، و«سوق الصاغة»، و«سوق الصباغين». ولم يبق
من تلك الأسواق الشهيرة إلا «رحبة الصوف»، و«رحبة الجمال» اللذان تحولا
إلى سوقين للألبسة خاصة.
تتوفر قسنطينة كذلك على معالم معمارية مهمة مثل قصر الباي أحمد الذي
يعود إلى القرن الثامن عشر، ويعتبر القصر، الذي عرف عمليات صيانة جذرية
مؤخرا، تحفة معمارية بحق، وقد حافظ على طابعه الإسلامي على الرغم من
محاولات الاستعمار الفرنسي طمسه.
ويعتبر متحف قسنطينة أيضا من أهم معالم المدينة ويحتوي على تحف أثرية
تؤرخ للحضارات التي تعاقبت على المدينة وعلى المنطقة، حيث يحتوي على تحف
ثمينة تعود إلى ما قبل الميلاد.
ومن المعالم المعمارية البارزة أيضا في قسنطينة المسرح الجهوي بالمدينة
الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، وبالإضافة إلى قيمته المعمارية فإن للمسرح
بصمته الخاصة في المشهد الثقافي الجزائري.
ومن المعالم الأخرى الشهيرة في المدينة نصب الأموات،monument des morts،
ويعود بناؤه إلى سنة 1934 وقد شيد تخليدا لموتى فرنسا الذين سقطوا في
الحرب العالمية الأولى ومن سطحه يستطيع الزائر أن يمتع ناظريه ببانوراما
عجيبة لمدينة قسنطينة، أقيم عليه تمثال النصر الذي يبدو كطائر خرافي يتأهب
للتحليق. ومن خصوصيات هذا النصب أنه يقع تماما في منتصف المسافة بين
الجزائر العاصمة وتونس العاصمة، ويوجد قبالته تمثال «مريم العذراء» والمسمى
«سيدة السلام».
مناخ قسنطينة.. وفرصة رؤية الثلج! مناخ قسنطينة يتميز بكونه مناخا جافا
فهي باردة جدا في الشتاء وليس مستبعدا أن تشهد تساقط الثلوج، وحارة في
الصيف وبإمكان درجات الحرارة فيها أن تصل إلى نحو أربعين درجة، ولهذا من
المستحسن زيارتها في الربيع وحتى بدايات الصيف مثلا أي من أبريل (نيسان)
إلى يونيو (حزيران) مثلا حيث يكون الجو لطيفا جدا.
بقلم: عادل بوعكاز
—-
مصادر الصور مرفقة بعناوينها، إضغط على الصورة فقط لتذهب إلى مصدرها الأصلي.
تم اختيار بعض صور الجسور وعرضها بطريقة عشوائية، سيكون للمدينة المزيد من المواضيع والصور الخاصة بها.
قسنطينة.. مدينة جزائرية يحبس جمال جسورها المعلقة الأنفاس
تنام بوداعة على صخرتين عتيقتين يربط بينهما 7 جسور.
تعتبر مدينة قسنطينة الجزائرية مدينة فريدة من نوعها بأتم معنى الكلمة.
فإذا أردت اكتشافا سياحيا فريدا واستثنائيا فلن تجد أفضل من قسنطينة، التي
لا تضاهيها في فرادتها واستثنائية موقعها ومنظرها البديع أي مدينة في
العالم. فالمدينة التي تعرف باسم عاصمة الشرق الجزائري وقد بنيت على صخرتين
صلبتين مرتفعتين، وجزآ المدينة مربوطان بأكثر من 8 جسور معلقة مما يعطي
للمدينة منظرا مدهشا يحبس أنفاس كل زائر جديد، ولهذا تشتهر المدينة باسم
مدينة الصخر العتيق ومدينة الجسور المعلقة. وإلى جانب موقعها الجغرافي
المتميز وجمالها الهندسي البديع، تشتهر قسنطينة بعاصمة العلم والثقافة
ومركز النهضة الثقافية الجزائرية المعاصرة خاصة على يد ابن المدينة العلامة
الجزائري الراحل عبد الحميد بن باديس، الذي أسس جمعية العلماء المسلمين
الجزائريين، والتي لعبت دورا هاما عبر مدارسها ومعاهدها في تعليم العربية
والمحافظة عليها أثناء الاستعمار الفرنسي الذي حاول طمسها. كما أن قسنطينة
معروفة بمدينة الفن، حيث يشتهر لونها الغنائي الأندلسي الأصيل المعروف
بـ«المالوف». ويعرف عن قسنطينة صناعاتها التقليدية الجميلة مثل صناعة
التطريز التقليدي وصناعة الأواني والتحف النحاسية، التي لها حي خاص يدعى حي
النحاسين.
وقسنطينة مدينة عريقة ضاربة بجذورها في التاريخ وقد كانت موطنا لتجمعات
قبلية أمازيغية، غير أن تأسيسها ينسب إلى التجار الفينيقيين، الذين أطلقوا
عليها اسم «قرتا» الذي يعني بالفينيقية (القرية أو المدينة)، فيما كان
القرطاجيون يسمونها «ساريم باتيم».
وبمرور الوقت تم تحريف نطق اسم المدينة ليصبح «سرتا» وقد ذاع صيت
المدينة واشتهرت في شمال أفريقيا وحتى في روما (إيطاليا) عاصمة الرومان بعد
أن اتخذها القائد الأمازيغي ماسينيسا عاصمة لمملكة نوميديا. وبعد أن عرفت
المدينة والمملكة بعض القلاقل والانقسامات، عادت لها قوتها ومع حفيد
ماسينيسا القائد يوغرطة الذي استطاع أن يتفادى انقسام المملكة إلى ممالك
صغيرة، وجعل منها لاعبا مهما في المنطقة، التي كانت تعرف صراعات داخلية بين
الممالك الأمازيغية الصغيرة وتربصا رومانيا، غير أن تفوق الرومان العسكري
رجح الكفة في الأخير لصالحهم لتخضع «سرتا» إلى حكم الرومان. لكن رضوخ أهل
المدينة الأمازيغ (مفرد مازيغ ومعناه بالعربية الرجل الحر) لم يدم طويلا،
حيث انتفضت المدينة وتمردت على السلطة المركزية عام 311م، أثناء الحكم
البيزنطي، فاجتاحها الرومان من جديد وقاموا بتخريبها بأمر من الإمبراطور
ماكسينونس.
وفي 313م أعاد الإمبراطور الروماني قسطنطين بناءها. واتخذت اسمه وصارت
تسمى قسطنطينة إلى أن خفف تدريجيا إلى قسنطينة. ولا يزال تمثال الإمبراطور
الروماني قسطنطين مرفوعا في وسط مدينة قسنطينة بالضبط قرب محطة السكك
الحديدية بباب القنطرة.
ومع الفتح الإسلامي وإن عرفت المدينة نوعا من الاستقلال وكان أهلها
يتولون شؤونهم بنفسهم حتى القرن التاسع الميلادي فإن المدينة فقدت نوعا ما
تأثيرها وأهميتها، حيث سطع نجم المدينة الصغيرة ميلة المجاورة مثلا على
حسابها. وكان قائد جيوش الفتح الإسلامي في المنطقة أبو المهاجر دينار قد
اتخذ من ميلة مركزا لجيشه.
في القرن العاشر الميلادي عرفت المنطقة قدوم قبائل بني هلال العربية، لتطغى اللغة العربية على أهالي المنطقة بمرور الوقت.
وظلت قسنطينة محط نزاع بين الدويلات التي عرفت منطقة المغرب العربي مثل الدولة الزيرية والدولة الحمادية.
ومنذ القرن الثالث عشر انتقلت المدينة إلى حكم الدولة الحفصية، التي كان
مركزها في تونس، وبقيت في أيديهم حتى دخولها في حكم الأتراك العثمانيين.
وبعد سقوط الأندلس عام 1492م لجأ الكثير من الأندلسيين إلى قسنطينة
واستقروا بها وساهموا كثيرا في حياتها الثقافية والاجتماعية، حيث جلبوا
معهم خبراتهم ومهاراتهم الفنية من بينها فن الغناء الأندلسي المعروف باسم
«المالوف» الذي ازدهر في المدينة وانتشر كذلك في شرق الجزائر، وامتد حتى
ليشمل تونس وليبيا.
وشمل استقرار الأندلسيين في المنطقة، ليس المسلمين فقط بل واليهود كذلك
الهاربين من بطش محاكم التفتيش الكاثوليكية الإسبانية. ومثلما كان الشأن مع
مسلمي الأندلس، تعامل أهل قسنطينة بتسامح كبير مع الجالية اليهودية التي
يعتقد أن لها جذورا قديمة في المدينة تعود إلى ما قبل التاريخ.
وقد ازدهرت قسنطينة وذاع صيتها كمركز عسكري حصين ومنطقة تجارية نشطة مما
دفع الأتراك العثمانيين إلى محاولة ضمها لحكمهم إلا أنهم جوبهوا أكثر من
مرة بمقاومة كبيرة من الحفصيين حتى عام 1568م، حيث قاد الحاكم العثماني في
الجزائر (العاصمة حاليا) الداي محمد صالح رايس حملة عسكرية على المدينة،
واستطاع أن يستولي عليها من غير قتال بعد فرار الحاكم الحفصي للمدينة عبد
المؤمن وأتباعه.
وتم اختيار قسنطينة لتكون عاصمة بايلك (ولاية) الشرق الجزائري.
وقد عرفت المدينة ازدهارا كبيرا في عهد الحاكم العثماني للمدينة صالح
باي (1771 – 1792م)، الذي قام ببناء الكثير من المباني التي ما زالت حاضرة
حتى الآن والتي لعبت دورا في تاريخ المدينة ومن بينها جامع ومدرسة
الكتانية.
ولصالح باي حضور كبير في الذاكرة الجماعية والثقافية للمدينة وما زالت
أغنية «قالوا العرب قالوا» الشهيرة، التي يقول مطلعها «قالوا العرب قالوا
سيدي صالح باي.. باي البايات»، والتي تتغنى به وترثيه تردد حتى الآن.
وبعد سقوط الجزائر العاصمة عام 1830 امتدت أطماع الفرنسيين شرقا إلى
مدينة قسنطينة. وحاول الفرنسيون مرارا احتلال المدينة إلا أنهم قوبلوا
بمقاومة شرسة من أهالي المدينة بقيادة الحاكم العثماني أحمد باي. وقد
استطاع أحمد باي صد حملتين متتاليتين للفرنسيين. لكن الجيش الفرنسي استطاع
عام 1837 السيطرة على المدينة بعد معركة شرسة تواصلت بين شوارع وأزقة
المدينة الضيقة. وقد اضطر الباي أحمد إلى الفرار إلى الصحراء الجزائرية مع
من تبقى من رجاله.
ويتردد أن نساء قسنطينة ومنطقة الشرق الجزائري عموما لبسن اللباس
الأسود، الذي يعرف بالملاية (من الملاءة بالعربية الفصحى) حزنا على سقوط
قسنطينة. ومنذ ذلك الحين انتشرت «الملاية» كلباس.
وبعد بسط سيطرتهم على كل التراب الجزائري اتخذ المستعمرون الفرنسيون
قسنطينة عاصمة للشرق الجزائري. وظلت قسنطينة محافظة على مكانتها الهامة،
سواء الاقتصادية أو العلمية والثقافية والفنية، بعد استقلال الجزائر عام
1962. وقد ازدادت الحياة الثقافية والعلمية والفنية ازدهارا بقسنطينة، بعد
استقلال الجزائر، حيث واصلت تبوؤ مركز مهم كأحد مراكز الإشعاع الثقافي
والعلمي، حيث تدعمت بجامعة جديدة في الضواحي التي تعرف باسم جامعة منتوري
وهي تحفة معمارية بأتم معنى الكلمة، وقد صممها المعماري البرازيلي أوسكار
نيميير.
كما أن قسنطينة ظلت مركزا ثقافيا وفنيا مهما بحكم تمركز دور النشر والمطابع ومراكز الإذاعة والتلفزيون فيها.
وقد أنجبت قسنطينة وانطلق منها عدد من أشهر كتاب الجزائر من بينهم
الراحلان كاتب ياسين ومالك حداد والأديب الطاهر وطار. كما تعتبر قسنطينة
مصدر إلهام الروائية أحلام مستغانمي، التي دارت أجزاء كثيرة من أحداث
رواياتها وخاصة روايتها الأولى «ذاكرة الجسد» بقسنطينة، وتعود أصول عائلة
مستغانمي إلى قسنطينة.
وتعتبر قسنطينة كذلك مركزا فنيا هاما، حيث تشتهر بلونها الغنائي الأندلسي
المتميز والمعروف باسم «المالوف». وينتشر هذا اللون، الذي قدم إلى المدينة
مع المسلمين واليهود الذين هاجروا من الأندلس وخاصة من منطقة أشبيلية
واستقروا في المدينة، كذلك في منطقة الشرق الجزائري وحتى في تونس وليبيا.
وتشتهر قسنطينة كذلك بصناعاتها التقليدية اليدوية مثل فن التطريز
التقليدي، حيث تحظى «القندورة (اللباس النسائي)» التقليدية القسنطينية
بشهرة وطنية. كما تشتهر المدينة بالتحف الفنية المصنوعة من النحاس، وهناك
سوق خاصة بهذه الصناعة التقليدية وحي كان يعرف باسم «حي النحاسين».
ماذا تزور؟
تتوفر قسنطينة على معالم سياحية جميلة في مقدمتها جسورها أو القناطر
السبع (مفرد قنطرة) البديعة، التي يحبس جمالها حقا الأنفاس. وتربط الجسور
بين جزأي المدينة اللذين يفصل بينهما وادي الرمال العميق. والجسور السبعة
هي:
* جسر باب القنطرة: وهو أقدم الجسور بناه الأتراك عام 1792 وهدمه الفرنسيون ليبنوا على أنقاضه الجسر القائم حاليا وذلك سنة 1863.
* جسر سيدي راشد: يعتبر أعلى جسر حجري في العالم، ويحمله 27 قوسا، يبلغ
قطر أكبرها 70م، ويقدر علوه بـ105م، وطوله 447م وعرضه 12م. وقد بدأت حركة
المرور به سنة 1912. ويقال إن اسم الجسر أطلق على ولي صالح يدعى سيدي راشد
يوجد مقامه تحت الجسر.
* جسر سيدي مسيد: بناه الفرنسيون عام 1912 ويسمى أيضا بالجسر المعلق،
يقدر ارتفاعه بـ175م وطوله 168، وهو أعلى جسور المدينة، ويعرف الجسر محليا
باسم قنطرة سبيطار (المستشفى) لأنه يقع جنب مستشفى المدينة الجامعي.
* جسر ملاح: يعرف محليا باسم «قنطرة الحديد» لأنه عبارة عن ممر حديدي
مخصص للراجلين فقط ويبلغ طوله 15م وعرضه متران ونصف. وقد يتفاجأ من يستعمل
الجسر لأول مرة بالجسر ويصيبه الذعر لأن الجسر يتحرك بفعل وقع أقدام
المارة، ولكن ذلك لا يشكل خطرا أو خوفا لأن الجسر محكم التعليق بأسلاك
حديدية صلبة.
* جسر مجاز الغنم: وهو جسر صغير أحادي الاتجاه.
* جسر الشيطان: جسر صغير يربط بين ضفتي وادي الرمال ويقع في أسفل أخدود الوادي.
* جسر الشلالات: يوجد في أسفل المدينة وتعلو الجسر أحيانا مياه وادي الرمال التي تمر تحته مكونة شلالات، وقد بني عام 1928.
وإلى جانب الجسور تتوفر قسنطينة على معالم سياحية أخرى خاصة في المدينة
القديمة ذات المعمار العربي الإسلامي، حيث تنتشر الأزقة الضيقة والرحبات
والأسواق الشعبية، حيث كانت قسنطينة تتوفر على أسواق خاصة لكل صناعة مثل
«سوق الخرازين»، و«سوق العطارين»، و«سوق الصاغة»، و«سوق الصباغين». ولم يبق
من تلك الأسواق الشهيرة إلا «رحبة الصوف»، و«رحبة الجمال» اللذان تحولا
إلى سوقين للألبسة خاصة.
تتوفر قسنطينة كذلك على معالم معمارية مهمة مثل قصر الباي أحمد الذي
يعود إلى القرن الثامن عشر، ويعتبر القصر، الذي عرف عمليات صيانة جذرية
مؤخرا، تحفة معمارية بحق، وقد حافظ على طابعه الإسلامي على الرغم من
محاولات الاستعمار الفرنسي طمسه.
ويعتبر متحف قسنطينة أيضا من أهم معالم المدينة ويحتوي على تحف أثرية
تؤرخ للحضارات التي تعاقبت على المدينة وعلى المنطقة، حيث يحتوي على تحف
ثمينة تعود إلى ما قبل الميلاد.
ومن المعالم المعمارية البارزة أيضا في قسنطينة المسرح الجهوي بالمدينة
الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، وبالإضافة إلى قيمته المعمارية فإن للمسرح
بصمته الخاصة في المشهد الثقافي الجزائري.
ومن المعالم الأخرى الشهيرة في المدينة نصب الأموات،monument des morts،
ويعود بناؤه إلى سنة 1934 وقد شيد تخليدا لموتى فرنسا الذين سقطوا في
الحرب العالمية الأولى ومن سطحه يستطيع الزائر أن يمتع ناظريه ببانوراما
عجيبة لمدينة قسنطينة، أقيم عليه تمثال النصر الذي يبدو كطائر خرافي يتأهب
للتحليق. ومن خصوصيات هذا النصب أنه يقع تماما في منتصف المسافة بين
الجزائر العاصمة وتونس العاصمة، ويوجد قبالته تمثال «مريم العذراء» والمسمى
«سيدة السلام».
مناخ قسنطينة.. وفرصة رؤية الثلج! مناخ قسنطينة يتميز بكونه مناخا جافا
فهي باردة جدا في الشتاء وليس مستبعدا أن تشهد تساقط الثلوج، وحارة في
الصيف وبإمكان درجات الحرارة فيها أن تصل إلى نحو أربعين درجة، ولهذا من
المستحسن زيارتها في الربيع وحتى بدايات الصيف مثلا أي من أبريل (نيسان)
إلى يونيو (حزيران) مثلا حيث يكون الجو لطيفا جدا.
بقلم: عادل بوعكاز
—-
مصادر الصور مرفقة بعناوينها، إضغط على الصورة فقط لتذهب إلى مصدرها الأصلي.
تم اختيار بعض صور الجسور وعرضها بطريقة عشوائية، سيكون للمدينة المزيد من المواضيع والصور الخاصة بها.
مواضيع مماثلة
» الثالث دولة عربية في الذهب
» اذاعة قسنطينة الجهوية
» إسبانيول يصل إلى قسنطينة يوم الثلاثاء
» اجمل بلدان العالم
» اجمل بلدان العربية
» اذاعة قسنطينة الجهوية
» إسبانيول يصل إلى قسنطينة يوم الثلاثاء
» اجمل بلدان العالم
» اجمل بلدان العربية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى